الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)} {الحمد} وهو الوصف بالجميل ثابت {لِلَّهِ} وهل المراد الإعلام بذلك للإِيمان به أو الثناء به، أو هما؟ احتمالات أفْيَدُها الثالث قاله الشيخ في (سورة الكهف) [1: 18] {الذى خَلَقَ السموات والأرض} خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين {وَجَعَلَ} خلق {الظلمات والنور} أي كل ظلمة ونور، وجمعها دونه لكثرة أسبابها، وهذا من دلائل وحدانيته {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ} مع قيام هذا الدليل {بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} يسوّون به غيره في العبادة.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)} {هُوَ الذى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ} بخلق أبيكم آدم منه {ثُمَّ قضى أَجَلاً} لكم تموتون عند انتهائه {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} مضروب {عِندَهُ} لبعثكم {ثُمَّ أَنتُمْ} أيها الكفار {تَمْتَرُونَ} تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم، ومن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر.
{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)} {وَهُوَ الله} مستحق للعبادة {فِي السموات وَفِى الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} ما تسرّون وما تجهرون به بينكم {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} تعملون من خير وشرّ.
{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)} {وَمَا تَأْتِيهِم} أي أهل مكة {مِّنْ} زائدة {ءَايَةٍ مِّنْ رَبِهِمْ} من القرآن {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
{فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)} {فَقَدْ كَذَّبُواْ بالحق} بالقرآن {لَمَّا جآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ} عواقب {مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ}.
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)} {أَلَمْ يَرَوْاْ} في أسفارهم إلى الشام وغيرها {كَمْ} خبرية بمعنى كثيراً {أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} أُمة من الأمم الماضية {مكناهم} أعطيناهم مكاناً {فِى الأرض} بالقوّة والسعة {مَا لَمْ نُمَكّن} نعط {لَّكُمْ} فيه التفات عن الغيبة {وَأَرْسَلْنَا السمآء} المطر {عَلَيْهِم مِّدْرَاراً} متتابعا {وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ} تحت مساكنهم {فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ} بتكذيبهم الأنبياء {وأنشَأْنا مِن بَعْدِهِم قَرءناً ءَاخَرِين}.
{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)} {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا} مكتوباً {فِى قِرْطَاسٍ} رَقٍّ كما اقترحوه {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} أبلغ من (عاينوه)، لأنه أنفى للشك {لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ} ما {هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} تعنُّتاً وعناداً.
{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)} {وَقَالُواْ لَوْلآ} هلا {أُنزِلَ عَلَيْهِ} على محمد صلى الله عليه وسلم {مَلَكٌ} يصدّقه {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً} كما اقترحوا فلم يؤمنوا {لَقُضِىَ الأمر} بهلاكهم {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} يمهلون لتوبة أو معذرة، كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)} {وَلَوْ جعلناه} أي المنزَل إليهم {مَلَكاً لجعلناه} أي الملك {رَجُلاً} أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك {وَ} لو أنزلناه وجعلناه رجلاً {لَلَبَسْنَا} شبهنا {عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} على أنفسهم بأن يقولوا (ما هذا إلا بشر مثلكم).
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)} {وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم {فَحَاقَ} نزل {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وهو العذاب، فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)} {قُلْ} لهم {سِيرُواْ فِى الأرض ثُمَّ انظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا.
{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)} {قل لِّمن مَّا في السموات والأَرْضِ قُلِ لِلّهِ} إن لم يقولوه لا جواب غيره {كَتَبَ} قضى {على نَفْسِهِ الرحمة} فضلاً منه، وفيه تلطف في دعائهم إلى الإِيمان {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} ليجازيكم بأعمالكم {لاَ رَيْبَ} شك {فِيهِ الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)} {وَلَهُ} تعالى {مَا سَكَنَ} حلَّ {في اْليْلِ وَاْلنَّهَارِ} أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه {وَهُوَ السميع} لما يقال {العليم} بما يفعل.
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)} {قُلْ} لهم {أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً} أعبده {فَاطِرِ السموات والأرض} مبدعهما {وَهُوَ يُطْعِمُ} يرزق {وَلاَ يُطْعَمُ} ولا يُرْزق لا {قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} لله من هذه الأمة {وَ} قيل لي {لاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} به.
{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} {قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى} بعبادة غيره {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يوم القيامة.
{مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)} {مَّن يُصْرَفْ} بالبناء للمفعول أي العذاب، وللفاعل أي الله، والعائد محذوف {عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} تعالى أي أراد له الخير {وذلك الفوز المبين} النجاة الظاهرة.
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)} {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ} بلاء كمرض وفقر {فَلاَ كَاشِفَ} رافع {لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} كصحة وغنى {فَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدُيرٌ} ومنه مَسُّكَ به ولا يقدر على ردّه عنك غيره.
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)} {وَهُوَ القاهر} القادر الذي لا يعجزه شيء مستعلياً {فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحكيم} في خلقه {الخبير} ببواطنهم كظواهرهم.
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)} ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائتنا بمن يشهد لك بالنبوّة، فإن أهل الكتاب أنكروك {قُلْ} لهم {أَىُّ شَئ أَكْبَرُ شهادة} تمييز محوّل عن المبتدأ {قُلِ الله} إن لم يقولوه لا جواب غيره، هو {شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} على صدقي {وَأُوحِىَ إلَىَّ هذا القُرْءَان لأُنذِرَكُم} أخوّفكم يا أهل مكة {بِهِ وَمَن بَلَغَ} عطف على ضمير أنذركم: أي بلغة القرآن من الإِنس والجنّ {أَئِنَّكُمْ لتشهدُونَ أن مَعَ اللهِ ءالهةً أخرى}؟ استفهام إنكار {قُلْ} لهم {لاَّ أَشْهَدُ} بذلك {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إله واحد وَإِنَّنِى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ} معه من الأصنام.
{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)} {الذينءاتيناهم الكتاب يَعْرِفُونَهُ} أي محمدا بنعته في كتابهم {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} منهم {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} به.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)} {وَمَنْ} أي لا أحد {أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بنسبة الشريك إليه {أَوْ كَذَّبَ بئاياته} القرآن {أَنَّهُ} أي الشأن {لاَ يُفْلِحُ الظالمون} بذلك.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)} {وَ} اذكر {يَوْمٍ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} توبيخاً {أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أنهم شركاء الله؟
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء والياء {فِتْنَتُهُمْ} بالنصب والرفع أي معذرتهم {إِلاَّ أَن قَالُواْ} أي قولهم {والله رَبِّنَا} بالجرّ نعت، والنصب نداء {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.
{انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)} قال تعالى {أَنظُرْ} يا محمد {كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} بنفي الشرك عنهم {وَضَلَّ} غاب {عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ه على الله من الشركاء.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)} {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} إذا قرأت {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية ل {أن} لا {يَفْقَهُوهُ} يفهموا القرآن {وفِى ءَاذَانِهِم وَقْراً} صمماً فلا يسمعونه سماع قبول {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لا يُؤمِنُواْ حَتَّى إذَا جَاءوكَ يجادلونك يَقُولُ الذين كَفَرُواْ إِنْ} ما {هذا} القرآن {إِلاَّ أساطير} أكاذيب {الأولين} كالأضاحيك والأعاجيب جمع (أسطورة) بالضم.
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)} {وَهُمْ يَنْهَوْنَ} الناس {عَنْهُ} عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم {وَيَنئَوْنَ} يتباعدون {عَنْهُ} فلا يؤمنون به، وقيل: نزلت في (أبي طالب) وكان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به {وَإِنْ} ما {يُهْلِكُونَ} بالنأي عنه {إِلاَّ أَنفُسَهُمْ} لأن ضرره عليهم {وَمَا يَشْعُرُونَ} بذلك.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)} {وَلَوْ تَرَى} يا محمد {إِذْ وُقِفُواْ} عرضوا {عَلَى النار فَقَالُواْ يالَيْتَنَا} للتنبيه {ليتنا نُرَدُّ} إلى الدنيا {وَلاَ نُكَذِّبَ بئايات رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} برفع الفعلين استئنافاً، ونصبهما في جواب التمني، ورفع الأوّل ونصب الثاني، وجواب «لو» لرأيت أمراً عظيماً.
{بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)} قال تعالى {بَلِ} للإِضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني {بَدَا} ظهر {لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} يكتمون بقولهم {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} بشهادة جوارحهم، فتمنوا ذلك {وَلَوْ رُدُّواْ} إلى الدنيا فرضا {لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} من الشرك {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في وعدهم بالإيمان.
{وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)} {وَقَالُواْ} أي منكرو البعث {ءانٍ} ما {هِىَ} أي الحياة {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)} {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ} عُرِضوا {على رَبّهِمْ} لرأيت أمراً عظيماً {قَالَ} لهم على لسان الملائكة توبيخاً {أَلَيْسَ هذا} البعث والحساب {بالحق قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا} إنه لحقّ {قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} به في الدنيا.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)} {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله} بالبعث {حتى} غاية للتكذيب {إِذَا جَاءتْهُمُ الساعة} القيامة {بَغْتَةً} فجأة {قَالُواْ يَحَسْرَتَنَا} هي شدّة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري {على مَا فَرَّطْنَا} قصَّرنا {فِيهَا} أي الدنيا {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً فتركبهم {أَلاَ سَآءَ} بئس {مَا يَزِرُونَ} يحملونه حملهم ذلك.
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)} {وَمَا الحياة الدنيا} أي الاشتغال بها {إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة {وَلَلدَّارُ الاخرة} وفي قراءة «ولدار الآخرة» أي الجنة {خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الشرك {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ}- بالياء والتاء- ذلك فيؤمنون.
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)} {قَدْ} للتحقيق {نَعْلَمُ إِنَّهُ} أي الشأن {لَيَحْزُنُكَ الذى يَقُولُونَ} لك من التكذيب {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ} في السر لعلمهم أنك صادق. وفي قراءة بالتخفيف [يُكَذِبُونَكَ] أي لا ينسبونك إلى الكذب {ولكن الظالمين} وضعه موضع المضمر {بئايات الله} القرآن {يَجْحَدُونَ} يكذبون.
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم {فَصَبَرُواْ على مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حتى أتاهم نَصْرُنَا} بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك {وَلاَ مُبَدِّلَ لكلمات الله} مواعيده {وَلَقدْ جآءَكَ مِن نَّبَإِىْ المرسلين} ما يسكن به قلبك.
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)} {وَإِن كَانَ كَبُرَ} عظم {عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} عن الإسلام لحرصك عليهم {فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً} سرباً {فِى الأرض أَوْ سُلَّماً} مصعداً {فِي اسمآء فَتَأْتِيَهُمْ بِئَايَةٍ} مما اقترحوا فافعل، المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله {وَلَوْ شَاءَ الله} هدايتهم {لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى} ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} بذلك.
{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)} {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ} دعاءك إلى الإِيمان {الذين يَسْمَعُونَ} سماع تفهم واعتبار {والموتى} أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع {يَبْعَثُهُمُ الله} في الآخرة {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} يردّون فيجازيهم بأعمالهم.
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)} {وَقَالُواْ} أي كفار مكة {لَوْلاَ} هلا {نُزّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مّن رَّبِّهِ} كالناقة والعصا والمائدة {قُلْ} لهم {إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزِّلَ} بالتشديد والتخفيف {ءَايَةً} مما اقترحوا {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنّ نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها.
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} {وَمَا مِنْ} زائدة {دَآبَّةٍ} تمشي {فِى الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ} في الهواء {بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} في تدبير خلقها ورزقها وأحوالها {مَّا فَرَّطْنَا} تركنا {فِى الكتاب} اللوح المحفوظ {مِنْ} زائدة {شَئ} فلم نكتبه {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} فيقضي بينهم، ويقتص للجماء من القرناء، ثم يقول لهم كونوا تراباً.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)} {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} القرآن {صُمٌّ} عن سماعها سماع قبول {وَبُكْمٌ} عن النطق بالحق {فِى الظلمات} الكفر {مَن يَشَإِ الله} إضلاله {يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ} هدايته {يَجْعَلْهُ على صراط} طريق {مُّسْتَقِيمٍ} دين الإسلام.
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)} {قُلْ} يا محمد لأهل مكة {أَرءَيْتُكُم} أخبروني {إِنْ أتاكم عَذَابُ الله} في الدنيا {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} القيامة المشتملة عليه بغتة {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} لا {إِن كُنتُمْ صادقين} في أنّ الأصنام تنفعكم فادعوها.
{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)} {بَلْ إِيَّاهُ} لا غيره {تَدْعُونَ} في الشدائد {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أن يكشفه عنكم من الضرّ ونحوه {إِن شَاءَ} كشفه {وَتَنسَوْنَ} تتركون {مَا تُشْرِكُونَ} معه من الأصنام فلا تدعونه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)} {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إلى أُمَمٍ مِّن} زائدة {قَبْلِكَ} رسلاً فكذبوهم {فأخذناهم بالبأساء} شدّة الفقر {والضراء} المرض {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} يتذللون فيؤمنون.
{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)} {فَلَوْلا} فهلا {إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا} عذابنا {تَضَرَّعُواْ} أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له {ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} فلم تلن للإِيمان {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من المعاصي فأصرّوا عليها.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} {فَلَمَّا نَسُواْ} تركوا {مَا ذُكّرُواْ} وُعِظُوا وخُوِّفوا {بِهِ} من البأساء والضرّاء فلم يتعظوا {فَتَحْنَا} بالتخفيف والتشديد {عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَئ} من النعم استدراجاً لهم {حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ} فَرَحَ بَطَرٍ {أخذناهم} بالعذاب {بَغْتَةً} فجأة {فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} آيسون من كل خير.
{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ} أي آخرهم بأن استؤصلوا {والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} على نصر الرسل وإهلاك الكافرين.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)} {قُلْ} لأهل مكة {أَرَءَيْتُمْ} أخبروني {إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ} أصمّكم {وأبصاركم} أعماكم {وَخَتَمَ} طبع {على قُلُوبِكُمْ} فلا تعرفون شيئاً {مَّنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ} بما أخذه منكم بزعمكم؟ {انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ} نبيِّن {الأيات} الدلالات على وحدانيتنا {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} يُعرضون عنها فلا يؤمنون.
{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)} {قُلْ} لهم {أَرءَيْتَكُمْ إِنْ أتاكم عَذَابُ الله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} ليلاً أو نهاراً {هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون} الكافرون؟ أي ما يهلك إلا هم.
{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)} {وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ} من آمن بالجنة {وَمُنذِرِينَ} من كفر بالنار {فَمَنْ ءَامَنَ} بهم {وَأَصْلَحَ} عمله {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} في الآخرة.
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)} {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا يَمَسُّهُمُ العذاب بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} يخرجون عن الطاعة.
{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)} {قُلْ} لهم {لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ الله} التي منها يرزق {وَلاَ} أَنِّي {أَعْلَمُ الغيب} ما غاب عني ولم يُوحَ إليّ {وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ} من الملائكة {إن} ما {أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاعمى} الكافر {والبصير} المؤمن لا {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} في ذلك فتؤمنوا؟.
{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)} {وَأَنذِرْ} خَوِّف {به} أي بالقرآن {الذين يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ} أي غيره {وَلِيُّ} ينصرهم {وَلاَ شَفِيعٌ} يشفع لهم وجملة النفي حال من ضمير «يحشروا» وهي محل الخوف، والمراد بهم المؤمنون العاصون {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات.
{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشى يُرِيدُونَ} بعبادتهم {وَجْهَهُ} تعالى لا شيئاً من أعراض الدنيا وهم الفقراء، وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك طمعاً في إسلامهم {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن} زائدة {شَئ} إن كان باطنهم غير مرضيّ {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَئ فَتَطْرُدَهُمْ} جواب النفي {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} إن فعلت ذلك.
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} {وكذلك فَتَنَّا} ابتلينا {بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدّمناه بالسبق إلى الإِيمان {لِّيَقُولواْ} أي الشرفاء والأغنياء منكرين {أهؤلاء} الفقراء {مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} بالهداية؟ أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه. قال تعالى {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} له فيهديهم؟ بلى.
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} {وَإِذَا جَاءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا فَقُلْ} لهم {سلام عَلَيْكُمْ كَتَبَ} قضى {رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة إِنَّهُ} أي الشأن، وفي قراءة بالفتح [أنه] بدل من (الرحمة) {مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ} منه حيث ارتكبه {ثُمَّ تَابَ} رجع {مِن بَعْدِهِ} بعد عمله عنه {وَأَصْلَحَ} عمله {فَإِنَّهُ} أي الله {غَفُورٌ} له {رَّحِيمٌ} به، وفي قراءة بالفتحل [أنه] أي فالمغفرة له.
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)} {وكذلك} كما بينا ما ذكر {نُفَصِّلُ} نبيِن {الأيات} القرآن ليظهر الحق فيعمل به {وَلِتَسْتَبِينَ} تظهر {سَبِيلُ} طريق {المجرمين} فتُجتَنَب، وفي قراءة: بالتحتانية، وفي أخرى بالفوقانية ونصب «سبيل» خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)} {قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ} تعبدون {مِن دُونِ الله قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ} في عبادتها {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً} ان اتبعتها {وَمَا أَنَاْ مِنَ المهتدين}.
{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)} {قُلْ إِنِّى على بَيِّنَةٍ} بيان {مِّن رَّبِّى و} قد {كَذَّبْتُمْ بِهِ} بربي حيث أشركتم {مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب {ان} ما {الحكم} في ذلك وغيره {إِلاَّ لِلَّهِ يَقُضِ} القضاء {الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} الحاكمين وفي قراءة (يَقُصُّ) أي يقول.
{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)} {قُلْ} لهم {لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِىَ الأمر بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} بأن أعجله لكم وأستريح، ولكنه عند الله {والله أَعْلَمُ بالظالمين} متى يعاقبهم.
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} {وَعِندَهُ} تعالى {مَفَاتِحُ الغيب} خزائنه أو الطرق الموصلة إلى علمه {لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} وهي الخمسة التي في قوله {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [34: 31] الآية كما رواه البخاري {وَيَعْلَمُ مَا} يَحدث {فِى البر} القفار {والبحر} القرى التي على الأنهار {وَمَا تَسْقُطُ مِن} زائدة {وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظلمات الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} عطف على (ورقة) {إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ} هو اللوح المحفوظ، والاستثناء بدل اشتمال من الاستثناء قبله.
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} {وَهُوَ الذى يتوفاكم باليل} يقبض أرواحكم عند النوم {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم} كسبتم {بالنهار ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أي النهار بردّ أرواحكم {ليقضى أَجَلٌ مّسَمًّى} هو أجل الحياة {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} بالبعث {ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فيجازيكم به.
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)} {وَهُوَ القاهر} مستعلياً {فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} ملائكة تحصي أعمالكم {حتى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ} وفي قراءة «توفاه» {رُسُلُنَا} الملائكة الموكلون بقبض الأرواح {وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} يقصِّرون فيما يؤمرون به.
{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} {ثُمَّ رُدُّواْ} أي الخلق {إلى الله مولاهم} مالكهم {الحق} الثابت العدل ليجازيهم {أَلاَ لَهُ الحكم} القضاء النافذ فيهم {وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين} يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك.
{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)} {قُلْ} يا محمد لأهل مكة {مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظلمات البر والبحر} أهوالهما في أسفاركم حين {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً} علانية {وَخُفْيَةً} سراً تقولون {لَئِنْ} لام قسم {أَنْجَيْتَنَا} وفي قراءة «أنجانا» أي الله {مِنْ هذه} الظلمات والشدائد {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} المؤمنين.
{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)} {قُلْ} لهم {الله يُنَجِّيكُمْ} بالتخفيف والتشديد {مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ} غمٍّ سواها {ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} به.
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)} {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ} من السماء كالحجارة والصيحة {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} كالخسف {أَوْ يَلْبِسَكُمْ} يخلطكم {شِيَعاً} فرقاً مختلفة الأهواء {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} بالقتال، قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت " هذه أهون وأيسر " ولما نزل ما قبله: " أعوذ بوجهك " رواه البخاري وروى مسلم حديث " سألت ربي أن لا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها " وفي حديث: لما نزلت قال " «أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد " {انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ} نبين لهم {الأيات} الدلالات على قدرتنا {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} يعلمون أنّ ما هم عليه باطل.
{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)} {وَكَذَّبَ بِهِ} بالقرآن {قَوْمُكَ وَهُوَ الحق} الصدق {قُلْ} لهم {لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} فأجازيكم إنما أنا منذر وأمْرُكم إلى الله، وهذا قبل الأمر بالقتال.
{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)} {لّكُلِّ نَبَإٍ} خبر {مُّسْتَقَرٌّ} وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد لهم.
{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} {وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ فِى ءاياتنا} القرآن بالاستهزاء {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} ولا تجالسهم {حتى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا} فيه إدغام نون «إن» الشرطية في «ما» المزيدة {يُنسِيَنَّكَ} بسكون النون والتخفيف وفتحها والتشديد [ينسّينّك] {الشيطان} فقعدت معهم {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى} أي تذكُّره {مَعَ القوم الظالمين} فيه وضع الظاهر موضع المضمر.
{وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)} وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد وأن نطوف، فنزل {وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ} الله {مِنْ حِسَابِهِم} أي الخائضين {مِنْ} زائدة {شَئ} إذا جالسوهم {ولكن} عليهم {ذِكْرَى} تذكرة لهم وموعظة {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الخوض.
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)} {وَذَرِ} اترك {الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ} الذي كلفوه {لَعِباً وَلَهْواً} باستهزائهم به {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} فلا تتعرض لهم، وهذا قبل الأمر بالقتال {وَذَكِّرْ} عِظْ {به} بالقرآن الناس ل {أن} لا {تُبْسَلَ نَفْسٌ} تُسْلَم إلى الهلاك {بِمَا كَسَبَتْ} عملت {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله} أي غيره {وَلِيُّ} ناصر {وَلاَ شَفِيعٍ} يمنع عنها العذاب {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} تفدِ كُلَّ فِدَاءٍ {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} ما تفدي به {أولئك الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} ماء بالغ نهاية الحرارة {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} بكفرهم.
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} {قُلْ أَنَدْعُواْ} أنعبد {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا} بعبادته {وَلاَ يَضُرُّنَا} بتركها وهو الأصنام {وَنُرَدُّ على أعقابنا} نرجع مشركين {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} إلى الإسلام {كالذى استهوته} أضلّته {الشياطين فِى الارض حَيْرَانَ} متحيراً لا يدري أين يذهب. حال من الهاء {لَهُ أصحاب} رفقة {يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى} أي ليهدوه الطريق يقولون له {ائتنا} فلا يجيبهم فيهلك، والاستفهام للإِنكار، وجملة التشبيه حال من ضمير، «نردّ» {قُلْ إِنَّ هُدَى الله} الذي هو الإسلام {هُوَ الهدى} وما عداه ضلال {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} أي بأن نسلم {لِرَبِّ العالمين}.
{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)} {وَأَنْ} أي بأن {أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه} تعالى {وَهُوَ الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} تجمعون يوم القيامة للحساب.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)} {وَهُوَ الذى خَلَقَ السموات والارض بالحق} أي محقاً {وَ} اذكر {يَوْمَ يَقُولُ} للشيء {كُنْ فَيَكُونُ} هو يوم القيامة، يقول للخلق: قوموا فيقوموا {قَوْلُهُ الحق} الصدق الواقع لا محالة {وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور} القرن، النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره {لِمَنِ المُلك اليوم؟ لله} [16: 40] {عالم الغيب والشهادة} ما غاب وما شوهد {وَهُوَ الحكيم} في خلقه {الخبير} بباطن الأشياء كظاهرها.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)} {وَ} اذكر {إِذْ قَالَ إبراهيم لاِبِيهِ ءازَرَ} هو لقبه، واسمه (تارخ) {أَتَتَّخِذُ أصْنَامَاً ءَالِهَةً} تعبدها؟ استفهام توبيخ {إِنِّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ} باتخاذها {فِى ضلال} عن الحق {مُّبِينٍ} بَيِّن.
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)} {وكذلك} كما أريناه إضلال أبيه وقومه {نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ} مُلْك {السموات والأرض} ليستدل به على وحدانيتنا {وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين} بها، وجملة (وكذلك) وما بعدها اعتراض وعطف على «قال2.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)} {فَلَمَّا جَنَّ} أظلم {عَلَيْهِ اليل رَأَى كَوْكَباً} قيل هو الزهرة {قَالَ} لقومه وكانوا قوماً نَجَّامين {هذا رَبِّى} في زعمكم {فَلَمَّا أَفَلَ} غاب {قَالَ لا أُحِبُّ الأفلين} أن أتخذهم أرباباً، لأنّ الرب لا يجوز عليه التغيير والانتقال، لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك.
{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)} {فَلَمَّا رَأَى القمر بَازِغاً} طالعاً {قَالَ} لهم {هذا رَبِّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى} يثبتني على الهدى {لاَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك.
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)} {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هذا} ذكَّره لتذكير خبره {رَبّى هذا أَكْبَرُ} من الكوكب والقمر {فَلَمَّا أَفَلَتْ} وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا {قَالَ ياقوم إِنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ} بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث، فقالوا له: ما تعبد؟.
{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} قال {إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ} قصدت بعبادتي {لِلَّذِى فَطَرَ} خلق {السموات والارض} أي الله {حَنِيفاً} مائلاً إلى الدين القيِّم {وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} به
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)} {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} جادلوه في دينه وهدّدوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها {قَالَ أَتُحَاجُّونّى} بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون الرفع عند النحاة، ونون الوقاية عند الفراء، أتجادلونني {فِى} وحدانية {الله وَقَدْ هَدَانِ} تعالى إليها {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} من الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شيء {إِلا} لكن {أَن يَشَاءَ رَبِّى شَيْئاً} من المكروه يصيبني فيكون {وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَئ عِلْماً} أي وسع علمه كل شيء {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} هذا فتؤمنون؟
{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)} {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} بالله وهي لا تضرّ ولا تنفع {وَلاَ تَخَافُونَ} أنتم من الله {أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله} في العبادة {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ} بعبادته {عَلَيْكُمْ سلطانا} حجة وبرهاناً، وهو القادر على كل شيء {فَأَىُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن} أنحن أم أنتم؟ {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} مَن الأحق به- أي وهو نحن- فاتبعوه.
{الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} {الذين ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ} يخلطوا {إيمانهم بِظُلْمٍ} أي شرك كما فُسِّرَ بذلك في حديث الصحيحين. {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الامن} من العذاب {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}.
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} {وَتِلْكَ} مبتدأ، ويُبْدَل منه {حُجَّتُنَا} التي احتج بها إبراهيم على وحدانية الله، أفول الكوكب وما بعده. والخبر {ءاتيناها إبراهيم على} أرشدناه لها حجة {على قَوْمِهِ نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاءُ} بالإضافة والتنوين [درجات] في العلم والحكمة {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} في صنعه {عَلِيمٌ} بخلقه.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)} {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} ابنه {كُلاًّ} منهما {هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} أي قبل إبراهيم {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ} أي نوح {دَاوُودَ وسليمان} ابنه {وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ} بن يعقوب {وموسى وهارون وَكَذَلِكَ} كما جزيناهم {نَجْزِى المحسنين}.
{وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)} {وَزَكَرِيَّا ويحيى} ابنه {وَعِيسَى} ابن مريم، يفيد أنّ الذرّية تتناول أولاد البنت {وَإِلْيَاسَ} بن أخي موسى {كُلٌّ} منهم {مِّنَ الصالحين}.
{وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)} {وإسماعيل} بن إبراهيم {واليسع} اللام زائدة {وَيُونُسَ وَلُوطاً} ابن هاران أخي إبراهيم {وَكُلاًّ} منهم {فَضَّلْنَا عَلَى العالمين} بالنبوّة.
{وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} {وَمِنْ ءَابَائِهِمْ وذرياتهم وإخوانهم} عطف على (كلاًّ) أو (نوحاً)، و(من) للتبعيض لأنّ بعضهم لم يكن له ولد، وبعضهم كان في ولده كافر {واجتبيناهم} اخترناهم {وهديناهم إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ}.
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} {ذلك} الدين الذين هدوا إليه {هُدَى الله يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ} فَرَضَاً {لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} {أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب} بمعنى الكتب {والحكم} الحكمة {والنبوة فَإِن يَكْفُرْ بِهَا} أي بهذه الثلاثة {هؤلاء} أي أهل مكة {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا} أرصدنا لها {قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بكافرين} هم المهاجرون والأنصار.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)} {أولئك الذين هَدَى} هم {الله فَبِهُدَاهُمُ} طريقهم من التوحيد والصبر {اقتده} بهاء السكت وقفاً ووصلاً. وفي قراءة بحذفها وصلاً {قُلْ} لأهل مكة {لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي القرآن {أَجْراً} تعطونيه {إِنْ هُوَ} ما للقرآن {إِلاَّ ذكرى} عظة {للعالمين} الإِنس والجنّ.
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)} {وَمَا قَدَرُواْ} أي اليهود {الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموه حق عظمته، أو ما عرفوه حق معرفته {إِذْ قَالُواْ} للنبي صلى الله عليه وسلم- وقد خاصموه في القرآن- {مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَئ قُلْ} لهم {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ تَجْعَلونَهُ} بالياء والتاء في المواضع الثلاثة {قراطيس} أي يكتبونه في دفاتر مقطعة {يُبْدُونَهَا} أي ما يحبون إبداءه منها {وَتُخْفُونَ كَثِيراً} مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه وسلم {وَعُلِّمْتُمْ} أيها اليهود في القرآن {مَا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنْتُمْ ولا ءَاباؤُكُمْ} من التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه {قُلِ الله} أنزله. إن لم يقولوه لا جواب غيره {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ} باطلهم {يَلْعَبُونَ}.
{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)} {وهذا} القرآن {كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ} قبله من الكتب {وَلِتُنذِرَ} بالتاء والياء عطف على معنى ما قبله أي أنزلناه للبركة والتصديق ولتنذر به {أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا} أي أهل مكة وسائر الناس {والذين يُؤْمِنُونَ بالاخرة يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ على صلواتهم يحافظون} خوفاً من عقابها.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)} {وَمِنْ} أي لا أحد {أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بادّعاء النبوّة ولم ينبأ {أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَئ} نزلت في مسيلمة {وَ} مِنْ {مَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله} وهم المستهزئون قالوا: لو نشاء لقلنا مثل هذا {وَلَوْ تَرَى} يا محمد {إِذِ الظالمون} المذكورون {فِى غَمَرَاتِ} سكرات {الموت والملائكة بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفاً {أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ} إلينا لنقبضها {اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} الهوان {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق} بدعوى النبوّة والإِيحاء كذباً {وَكُنتُمْ عَنْ ءاياته تَسْتَكْبِرُونَ} تتكبرون عن الإيمان بها، وجواب «لو» لرأيت أمراً فظيعاً.
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} {وَ} يقال لهم إذا بعثوا {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} منفردين عن الأهل والمال والولد {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي حفاة عراة غرلاً {وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم} أعطيناكم من الأموال {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} في الدنيا بغير اختياركم {وَ} يقال لهم توبيخا {مَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ} الأصنام {الذين زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ} أي في استحقاق عبادتكم {شُرَكَاءُ} لله {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وصلكم أي تشتت جمعكم، وفي قراءة بالنصب (بينكم) ظرف أي وصلكم بينكم {وَضَلَّ} ذهب {عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} في الدنيا من شفاعتها.
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} {إِنَّ الله فَالِقُ} شاقّ {الحب} عن النبات {والنوى} عن النخل {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} كالإِنسان والطائر من النطفة والبيضة {وَمُخْرِجُ الميت} النطفة والبيضة {مِنَ الحى ذلكم} الفالق المخرج {الله فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان؟.
{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)} {فَالِقُ الإصباح} مصدر بمعنى الصبح: أي شاق عمود الصبح وهو أول ما يبدو من نور النهار عن ظلمة الليل {وَجعَلَ} تسكن فيه الخلق من التعب {والشمس والقمر} بالنصب، عطفاً على محل (الليل) {حُسْبَاناً} حساباً للأوقات، أو الباء محذوفة، وهو حال من مقدّر أي يجريان بحسبان كما في آية (الرحمن) [5: 55] {ذلك} المذكور {تَقْدِيرُ العزيز} في ملكه {العليم} بخلقه.
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)} {وَهُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظلمات البر والبحر} في الأسفار {قَدْ فَصَّلْنَا} بيَّنا {الأيات} الدلالات على قدرتنا {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يتدبرون.
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)} {وَهُوَ الذى أَنشَأَكُم} خلقكم {مِّن نَّفْسٍ واحدة} هي آدم {فَمُسْتَقَرٌّ} منكم في الرحم {وَمُسْتَوْدَعٌ} منكم في الصلب. وفي قراءة بفتح القاف أي مكانَ قرار لكم {قَدْ فَصَّلْنَا الأيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} ما يقال لهم.
{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} {وَهُوَ الذى أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءِ فَأَخْرَجْنَا} فيه التفات عن الغيبة {بِهِ} بالماء {نَبَاتَ كُلّ شَئ} ينبت {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ} أي النبات شيئاً {خَضِرًا} بمعنى أخضر {نُّخْرِجُ مِنْهُ} (من الخَضِر) {حَبَّاً مُّتَرَاكِباً} يركب بعضه بعضاً كسنابل الحنطة ونحوها {وَمِنَ النخل} خبر، ويبدل منه {مِن طَلْعِهَا} أول ما يخرج منها. والمبتدأ {قنوان} عراجين {دَانِيَةٌ} قريب بعضها من بعض {وَ} أخرجنا به {جنات} بساتين {مِّنْ أعناب والزيتون والرمان مُشْتَبِهاً} ورقهما حال {وَغَيْرَ متشابه} ثمرهما {انظروا} يا مخاطبين نظر اعتبار {إلى ثَمَرِهِ}. بفتح الثاء والميم، وبضمهما وهو جمع (ثمرة) ك (شجرة) و(شجر) و(خشبة) و(خشب) {إِذَا أَثْمَرَ} أول ما يبدو كيف هو؟ {وَ} إلى {يَنْعِهِ} نضجه إذا أدرك كيف يعود {إِنَّ فِى ذلكم لايات} دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)} {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ} مفعول ثان {شُرَكَاءَ} مفعول أوّل، ويبدل منه {الجن} حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان {وَ} قد {خَلْقَهُمْ} فكيف يكونون شركاء {وَخَرَقُواْ} بالتخفيف والتشديد أي اختلقوا {لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} حيث قالوا: عزير ابن الله، والملائكة بنات الله {سبحانه} تنزيهاً له {وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ} بأن له ولداً.
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} هو {بَدِيعُ السموات والأرض} مبدعهما من غير مثال سبق {أنى} كيف {يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} زوجة {وَخَلَقَ كُلَّ شَئ} من شأنه أن يُخْلَق {وَهُوَ بِكُلِّ شَئ عَلِيمٌ}.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} {ذلكم الله رَبُّكُمْ لا إله إِلاَّ هُوَ خالق كُلِّ شَئ فاعبدوه} وحِّدوه {وَهُوَ على كُلِّ شَئ وَكِيلٌ} حفيظ.
{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} {لاَّ تُدْرِكُهُ الابصار} أي لا تراه، وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [22: 75، 23] وحديث الشيخين: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» وقيل المراد: لا تحيط به {وَهُوَ يُدْرِكُ الابصار} أي يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أن يدرك البصر وهو لا يدركه أو يحيط به علما {وَهُوَ اللطيف} بأوليائه {الخبير} بهم.
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} قل يا محمد {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ} حجج {مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ} ها فآمن {فَلِنَفْسِهِ} أبصر، لأنّ ثواب إبصاره له {وَمَنْ عَمِىَ} عنها فَضَلَّ {فَعَلَيْهَا} وبال إضلاله {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} رقيب لأعمالكم، إنما أنا نذير.
{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)} {وكذلك} كما بيَّنا ما ذكر {نُصَرِّفُ} نبيِّن {الأيات} ليعتبروا {وَلِيَقُولُواْ} أي الكفار في عاقبة الأمر {دَرَسْتَ} ذاكرت أهل الكتاب. وفي قراءة «دَرَسْتَ» أي كُتُبَ الماضين وجئت بهذا منها {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} {اتبع مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي القرآن {لا إله إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين}.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} {وَلَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جعلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} رقيباً فتجازيهم بأعمالهم {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} فتجبرهم على الإِيمان، وهذا قبل الأمر بالقتال.
{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ} هم {مِن دُونِ الله} أي الأصنام {فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً} اعتداء وظلما {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي جهلاً منهم بالله {كذلك} كما زيَّنَّا لهؤلاء ما هم عليه {زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} من الخير والشر فأتوه {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ} في الآخرة {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فيجازيهم به.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)} {وَأَقْسَمُواْ} أي كفار مكة {بالله جَهْدَ أيمانهم} أي غاية اجتهادهم فيها {لَئِن جَاءَتْهُمْ ءَايَةٌ} مما اقترحوا {لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ} لهم {إِنَّمَا الايات عِندَ الله} يُنْزلها كما يشاء، وإنما أنا نذير {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} يدريكم بإيمانهم إذا جاءت؟ أي أنتم لا تدرون ذلك {إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لما سبق في علمي. وفي قراءة بالتاء خطاباً للكفار. وفي أخرى بفتح «إن» بمعنى (لعل)، أو معمولة لما قبلها.
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} نحوِّل قلوبهم عن الحق فلا يفهمونه {وأبصارهم} عنه فلا يبصرونه ولا يؤمنون {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ} أي بما أنزل من الآيات {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ} نتركهم {فِي طغيانهم} ضلالهم {يَعْمَهُونَ} يتردّدون متحيّرين.
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)} {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى} كما اقترحوا {وَحَشَرْنَا} جمعنا {عَلَيْهِمْ كُلَّ شَئ قُبُلاً} بضمتين: جمع قبيل، أي فوجاً فوجاً، وبكسر القاف وفتح الباء: أي معاينة فشهدوا بصدقك {مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} لما سبق في علم الله {إِلا} لكن {أَن يَشَاءَ الله} إيمانهم فيؤمنوا {ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ذلك.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)} {وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً} كما جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه {شياطين} مردة {الإنس والجن يُوحِى} يوسوس {بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول} ممَّوهَهُ من الباطل {غُرُوراً} أي ليغروهم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} أي الإِيحاء المذكور {فَذَرْهُمْ} دع الكفار {وَمَا يَفْتَرُونَ} من الكفر وغيره مما زين لهم، وهذا قبل الأمر بالقتال.
{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)} {ولتصغى} عطف على (غروراً): أي تميل {إِلَيْهِ} أي الزخرف {أَفْئِدَةُ} قلوب {الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ} يكتسبوا {مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} من الذنوب فيعاقبوا عليه.
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)} ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكماً، قل {أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِى} أطلب {حَكَمًا} قاضياً بيني وبينكم {وَهُوَ الذى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب} القرآن {مُفَصَّلاً} مبينا فيه الحق من الباطل {والذين ءاتيناهم الكتاب} التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه {يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ} بالتخفيف والتشديد {مِّن رَّبِّكَ بالحق فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} الشاكّين فيه. والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق.
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} بالأحكام والمواعيد {صِدْقاً وَعَدْلاً} تمييز {لاَ مُبَدِّلَ لكلماته} بنقض أو خُلْفٍ {وَهُوَ السميع} لما يقال {العليم} بما يفعل.
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)} {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأرض} أي الكفار {يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله} دينه {إن} ما {يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم {وَإنْ} ما {هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبون في ذلك.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)} {إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} أي عالم {مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} فيجازي كلاًّ منهم.
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} أي ذبح على اسمه {إِن كُنتُم بئاياته مُؤْمِنِينَ}.
{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} {وَمَا لَكُمْ أ} ن {لاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} من الذبائح {وَقَدْ فَصَّلَ} بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين {لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} في آية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [3: 5] {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} منه فهو أيضاً حلال لكم، المعنى: لا مانع لكم من أكل ما ذكر وقد بُيِّن لكم المحرَّم أكله، وهذا ليس منه {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ} بفتح الياء وضمها {بِأَهْوَائِهِم} بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعتمدونه في ذلك {إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} المتجاوزين الحلال إلى الحرام.
{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)} {وَذَرُواْ} اتركوا {ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ} علانيته وسرّه، و(الإِثم) قيل: الزنى، وقيل: كل معصية {إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ} في الآخرة {بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} يكتسبون.
{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} بأن مات أو ذبح على اسم غيره، وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمدا أو نسياناً فهو حلال: قاله ابن عباس وعليه الشافعي {وإِنَّهُ} أي الأكل منه {لَفِسْقٌ} خروج عما يحل {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ} يوسوسون {إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} الكفار {ليجادلوكم} في تحليل الميتة {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} فيه {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}.
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} ونزل في أبي جهل وغيره {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا} بالكفر {فأحييناه} بالهدى {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى الناس} يتبصر به الحق من غيره وهو الإِيمان {كَمَن مَّثَلُهُ} (مثل) زائدة: أي كمن هو {فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} وهو الكافر؟ لا {كذلك} كما زين للمؤمنين الإِيمان {زُيِّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الكفر والمعاصي.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)} {وكذلك} كما جعلنا فساق مكة أكابرها {جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أكابر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا} بالصدّ عن الإِيمان {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ} لأن وباله عليهم {وَمَا يَشْعُرُونَ} بذلك.
{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ} أي أهل مكة {ءَايَةٌ} على صدق النبي صلى الله عليه وسلم {قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ} به {حتى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ الله} من الرسالة والوحي إلينا لأننا أكثر مالاً وأكبر سنّاً. قال تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} بالجمع والإفراد، و(حيث) مفعول به لفعل دلّ عليه «أعلم» أي يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها، وهؤلاء ليسوا أهلاً لها {سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ} بقولهم ذلك {صَغَارٌ} ذل {عِندَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ} أي بسبب مكرهم.
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)} {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام} بأن يقذف في قلبه نوراً فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث {وَمَن يُرِدْ} الله {أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً} بالتخفيف والتشديد عن قبوله {حَرَجاً} شديد الضيق بكسر الراء صفة، وفتحها مصدر وُصِفَ فيه مبالغة {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ} وفي قراءة «يصَّاعد» وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد، وفي أخرى بسكونها {فِى السماء} إذ كُلِّفَ الإِيمان لشدّته عليه {كذلك} الجعل {يَجْعَلُ الله الرجس} العذاب أو الشيطان أي يسلّطه {عَلَى الذين يُؤْمِنُونَ}.
{وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)} {وهذا} الذي أنت عليه يا محمد {صراط} طريق {رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} لا عوج فيه، ونصبه على الحال المؤكد للجملة، والعامل فيها معنى الإِشارة {قَدْ فَصَّلْنَا} بيَّنَّا {الأيات لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} فيه إدغام التاء في الأصل في الذال: أي يتعظون، وخصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون.
|